منقول
تدعى (دودة الرمل) أو (دودة الصياد)، لأنها تعيش على شواطئ البحر، حيث تلقي سفن الصيد مراسيها. . ومع أنها متوافرة بكثرة وموجودة منذ الأزل أمام أعين الباحثين، إلا أن المصادفة التي قادت إليها ستوفر حلاً لواحدة من أصعب المشكلات التي يواجهها الطب الحديث.
هذا ما يؤكده البروفيسور نرانك زال من مختبر فسيولوجيا الطبيعة، وهو ينظر من نافذة مختبره إلى شاطئ المحيط الأطلسي الذي يمتد أمامه. ففي هذا الإقليم غربي فرنسا، عثر زال وفريقه على هذه الدودة المعجزة التي تسمى علمياً (أرينيكول)، والتي يستخدمها الصيادون عادة طعوماً لصناراتهم، لكنها تحمل في جوفها نوعاً من (الهيموغلوبين) شديد الشبه بخضاب دم الإنسان بلونه الأحمر القاني.
ومن هنا تأتي أهمية هذا المخلوق، إذ يؤكد الباحثون الذين تصدوا للموضوع إمكان استخدام مصل دم هذه الدودة لتعويض النقص الحاصل في دم بعض المرضى. وقد بدأت التجارب مع مطلع العام 2000، حيث ثبت إمكان استخدام دم الدودة بديلاً ممكناً على مستوى واسع.
وعلى ضوء هذه التجارب الواعدة يستعد مختبر الدم في مستشفى فال دوغراس العسكري في باريس لإجراء أول تجارب لنقل هذا الدم إلى مريض من بني الإنسان.
ومنذ عشر سنوات يأمل الباحثون في مناطق مختلفة من العالم في إيجاد بديل مطابق لما يفقده المريض من دم أو من بعض مكوناته، فيما وصل بعض هؤلاء إلى قناعة أن الحصول على دم بديل كامل يظل من الأفكار المستحيلة لأنه يصعب تماماً إنتاج مزيج الدم بسبب التعقيد البالغ لدم الكائن البشري ومكوناته، ما يجعله مميزاً تماماً عن دماء المخلوقات الأخرى.
ويزداد الأمر تعقيداً حين يتعلق الأمر بخلايا المناعة وأنواعها وتركيباتها المعقدة، إذاً نحن إزاء نظام حيوي لامثيل لدقة تركيبه ناهيك عن قابلية التجلط والتخثر التي يمتلكها وتنطلق اَلياتها بمجرد حدوث نزف ما.
وبغض النظر عن كل هذه الخصائص الفائقة، فإن ما يهم العلماء بالدرجة الأولى خاصية نقل الأكسجين التي يؤمنها (الهيموغلوبين)، والتي يمكن لأي عطب فيها أن يجعل حياة المريض في خطر محدق. وفي الحالة الطبيعية تؤمن كريات الدم الحمر عملية النقل هذه، لأنها تحتوي على جزيئات الهيموغلوبين.
وتأتي كل الصعوبات التي يواجهها باحث الكيمياء الحيوية من حيث استحالة العثور على نظام مشابه بديل، وقد برزت طريقتان للتغلب على هذه المشكلة، وتعتمد الأولى على تركيب (الهيموغلوبين) مختبرياً، أما الثانية فتقوم على استخلاص (الهيموغلوبين) من دودة الصياد التي يمكن أن تقدم الكثير في هذا المضمار.
وفي مطلع العام 2000 بدأت التجارب لتطهير المستخلص ، وإكسابه الخصائص التي تتيح نقله إلى الإنسان بعد خلطه بزهم فسيولوجي يجعل قوامه مماثلاً للدم الإنساني. وبعد ذلك أجريت دراسات معمقة للتأكد من سلامة العينات الأولى في مختبر متقدم للأبحاث في مدينة رين الفرنسية، حيث نجحت أولى عمليات النقل إلى الفئران من دون ظهور أي علامة تسمم عليها.
ومن المتوقع أن تبدأ مرحلة النقل إلى الإنسان خلال ثلاث السنوات المقبلة اعتماداً على ما يوفره مختبر خاص قادر على إنتاج مواد صيدلانية، يمكن أن يتم بوساطتها إنتاج كميات كبيرة من (الهيموغلوبين) لسد حاجة المستشفيات، إضافة إلى بناء مزارع خاصة لتربية هذه الدودة الفريدة.
ويرى البروفيسور ميكائيل ماردان، رئيس فريق البحث عن مكونات الدم البديل في مستشفى كرملن - بيسيتر في باريس ، أنه بخلاف ما تقدمه دودة الصياد من أمل، فإن كل محاولات الحصول على دم بديل تأتي من استخلاص (الهيموغلوبين) من مكونات دم فاسد أو انتهت فترة صلاحيته بعد تخزينه لفترة طويلة في بنوك الدم.
غير أن هذا الدم المعاد لايمكن أن يحل كل المشكلات الناشئة عن الحاجة إلى الدم في المستشفيات، حيث بقي التبرع أفضل الوسائل لتأمين الاحتياجات المتزايدة.
ومن هنا تأتي أهمية دودة الصياد، مع أن الكثيرين من الأطباء لايزالون ينظرون، بشيء من الريبة، إلى هذا الحل الذي قد لايخلو في نظرهم من اَثار جانبية. ومع هذا يعتقد البروفيسور ماردان أن خمس السنوات المقبلة ستشهد بطريقة أو بأخرى ولادة الدم البديل. •